جمعية العون والإغاثة تنظم ندوة وطنية حول “برامج الحماية الاجتماعية والمجتمع المتضامن”

طنجة، المغرب – في إطار سعيها الدائم لتعزيز قيم التضامن المجتمعي وتسليط الضوء على الأدوار المحورية لمختلف الفاعلين في ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب، استضافت جمعية العون والإغاثة يوم الجمعة الموافق 18 يوليوز 2025 ندوة وطنية هامة تحت عنوان “برامج الحماية الاجتماعية في المغرب والمجتمع المتضامن”. انعقدت الندوة في مركز الاستقبال التابع لدار الشباب حسونة بطنجة، وشهدت حضورًا لافتًا من نخبة من الأكاديميين والمختصين، بالإضافة إلى ممثلين عن جمعيات المجتمع المدني من طنجة ومدن أخرى.


مداخلات ثرية ترسم ملامح التضامن الفعال

شهدت الندوة سلسلة من المداخلات القيمة التي أثرت النقاش وتناولت جوانب متعددة من قضايا التضامن والحماية الاجتماعية:

  • الدكتور عمر التيجاني، أستاذ الاقتصاد ومنسق ماستر الموارد البشرية، وعضو في جمعية العون والإغاثة، افتتح المداخلات بتعريف شامل لمفهوم التضامن، مؤكدًا على جذوره العميقة في القيم الاجتماعية والدينية، خاصة تعاليم الإسلام التي تحث على التساند والتكافل. وربط الدكتور التيجاني بين الإحساس بالأمان الاجتماعي وهرم ماسلو للحاجيات، مشددًا على أن الاستقرار المعيشي يمثل شرطًا أساسيًا لبناء مجتمع متضامن. كما حذر من تأثير التوجه العولمي نحو اقتصاد الرعاية الاجتماعية، وما قد يحمله من مخاطر تهميش دور المجتمع المحلي، داعيًا إلى رأسمالية تجارب المجتمع المدني والاستفادة منها.
  • الأستاذ محمد الحمداوي، رئيس مصلحة العوض الصحي، قدم رؤية تحليلية حول التمييز بين الحماية الاجتماعية المؤسساتية التي توفرها الدولة، وآليات التساند المجتمعي التي ينهض بها المجتمع المدني. واستعرض الأستاذ الحمداوي برامج حكومية متعددة، مبديًا ملاحظات حول محدودية انخراط الأسرة والمجتمع المدني في تصميمها وتنفيذها، على الرغم من أدوارهم المحورية، لا سيما في القطاع الصحي. كما أشار إلى أن ثقافة المجتمع تتلازم مع التضامن، لكنها تواجه ضعفًا مؤسساتيًا للقيمة بسبب تراجع الثقة بين المواطن والبرامج الحكومية، خاصة مع تزايد استخدام التقنية الرقمية.
  • الدكتورة جميلة العماري، رئيسة المنتدى المغربي للأبحاث القانونية، أشادت بموضوع الندوة، معبرة عن اعتزازها بملامح التضامن الاجتماعي الذي ظهر جليًا في الأزمات والنكبات، مستشهدة بتفاعل المغاربة البارز بعد جائحة كورونا وزلزال الحوز. وناقشت الدكتورة العماري مدى فاعلية برامج الحماية الاجتماعية في تحقيق العدالة الاجتماعية، منتقدة غياب الاستمرارية المؤسساتية في التعاطي مع هذا الورش الحيوي، حيث يتم تجاهل التجارب والاستراتيجيات السابقة مع كل تغيير حكومي أو انتخابي. وشددت على أهمية إشراك الهياكل العضوية للمجتمع (الأسرة، الحي، القرية…) ومؤسسات المجتمع المدني لإغناء هذه البرامج من خلال مقاربة تشاركية.
  • الدكتورة نادية النحلي، المتخصصة في القانون الاجتماعي، أثرت النقاش بخبرتها الواسعة في تنظيم وكتابة العديد من الندوات ذات الصلة. وسلطت الدكتورة النحلي الضوء على واقع وطموحات ورش الحماية الاجتماعية، معتبرة أن المجتمع المدني هو الفاعل الأكثر قدرة على تأمين استمرارية التضامن داخل المجتمع. ودعت إلى دمجه في المساطر الرسمية المرتبطة بالحماية الاجتماعية باعتباره فاعلاً مؤسسيًا لا محاورًا ثانويًا. كما نبهت إلى أن هوة التضامن بين مختلف المكونات تتفاقم مع ازدياد استخدام الرقمنة، مما قد يولد ممارسات المحسوبية وانعدام العدالة المجتمعية.

كلمة ختامية لرئيس جمعية العون والإغاثة: تقدير للجهود وتأكيد على التضامن

في ختام فعاليات ندوة “برامج الحماية الاجتماعية في المغرب والمجتمع المتضامن”، ألقى السيد نور الدين بنصبيح العمراني، رئيس جمعية العون والإغاثة، كلمة ختامية معبرة رحب فيها بالحضور الكريم، معربًا عن شكره العميق لكل من ساهم في إنجاح هذه الندوة القيمة. واعتبر السيد العمراني هذا الحضور الكثيف دليلاً واضحًا على الاهتمام المشترك بانشغالات الفئات الهشة التي تعمل الجمعيات بشكل عام على خدمتها ودعمها.

كما نوه رئيس الجمعية بالمساهمات القيمة للمتدخلين في الندوة، مشيدًا بأطروحاتهم الغنية التي أثرت النقاش وأضافت أبعادًا جديدة للموضوع. ولم يفته الإشادة بمسيرة الندوة الإعلامية المقتدرة منال الرقيواق على إدارتها المتميزة للجلسات. وفي لفتة تقديرية، قامت الجمعية بتقديم دروع تقديرية للمتدخلين، وسط تصفيقات الحاضرين الذين تفاعلوا بإيجابية مع مجريات النقاش وساهموا في إثرائه.

تفاعل الحضور: دعوات لتجاوز الاختلالات

شهدت الندوة تفاعلاً إيجابيًا ومميزًا من ممثلي جمعيات المجتمع المدني بمدينة طنجة، الذين عبروا عن اهتمامهم الكبير بالموضوع، وأشادوا بجودة المداخلات وراهنية النقاش. تركزت معظم تدخلاتهم حول الاختلالات التي تعاني منها البرامج الحكومية، خصوصًا فيما يتعلق بـالتغطية الصحية، حيث أشار البعض إلى اضطراب المؤشرات وغياب العدالة في الولوج إلى الخدمات الاجتماعية والصحية.


توصيات ختامية: رؤية شاملة لمستقبل الحماية الاجتماعية

خلصت الندوة إلى مجموعة من التوصيات الهامة التي تعكس توافق المشاركين على ضرورة إحداث تحول في مقاربة ورش الحماية الاجتماعية:

  • ضرورة إدماج هياكل المجتمع العضوية في تخطيط وتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية.
  • تعزيز دور المجتمع المدني كشريك فعلي وليس مكملاً في ورش الحماية الاجتماعية.
  • تبني مقاربة تراكمية في رسم السياسات الاجتماعية، بعيدًا عن منطق القطيعة مع التجارب السابقة.
  • دعم المبادرات المحلية التي تعزز قيم التعاون والتكافل المجتمعي.

بناء مجتمع متضامن: مسؤولية مشتركة

أكدت الندوة أن تحقيق مجتمع متضامن لا يمكن أن يتم فقط من خلال تدخل الدولة، بل يستدعي تفعيل أدوار المجتمع المدني، وتقوية الروابط المجتمعية التقليدية، واعتماد مقاربة شمولية وتشاركية تُدمج فيها كافة مكونات المجتمع. هذه الرؤية المتكاملة هي السبيل لضمان حماية اجتماعية مستدامة وعادلة في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Footer Design
Scroll to Top